السياقات و المبررات:
لقد جاء قرار المجلس الدولي المتعلق بعقد دورة 2015 للمنتدى الاجتماعي العالمي مرة أخرى بتونس،
على إثر اجتماع الدار البيضاء خلال شهر نوفمبر الماضي و ذلك تلبية لطلب تقدمت به الحركات
الاجتماعية الإقليمية و الدولية. و بعد تقييم تأثيرات دورة المنتدى الاجتماعي العالمي لسنة 2015 و الذي
احتضنته تونس فقد ارتأى المجلس أنه من الضروري:
– دعم ديناميكيات التغيير المنبثقة عن الثورة التونسية و عن التحركات الديمقراطية في المنطقة.
– تعميق النقاش حول أزمة النموذج الليبرالي و الأزمة الحضارية.
– تعميق الحوار حول الرهانات الجغراسياسية الجديدة.
– تعزيز البدائل التي تحترم حقوق الشعوب و المؤسسة على مبادئ السلم و العدالة الاجتماعية.
و يبدو أن الثورات و الحركات الديمقراطية التي وقعت في منطقة المشرق مغرب لم تنتج بعد البدائل التي –
طالبت بها الشعوب من أجل تحقيق عدالة أشمل و حقوق أكثر و مزيدا من الكرامة. فبالإضافة إلى الأزمة
السياسية المتواصلة، تبقى المنطقة إلى الآن غير قادرة على توفير مواطن الشغل التي يطالب بها الشباب
و لا على تحقيق المساواة التي تصبو إليها المرأة و لا على إرساء العدالة التي تسعى إليها الحركات
الاجتماعية، و التي من دونها، لا يمكن تحقيق مستقبل أفضل.
و علاوة على هذا، فإذا ما ألقينا نظرة على ما يجري في سوريا مرورا بما يحصل في العراق و انتهينا بما
يحدث في ليبيا، نرى أن العنف المتطرف قد تفاقم من جهة نتيجة المجموعات المتطرفة، التي تريد أن
تفرض مشروع مجتمع ترفضه الشعوب، و الحكومات المتشبثة بالسلطة، التي أضحت غير قادرة على
فرض بدائل سياسية مجدية، و من جهة أخرى بسبب التدخلات المباشرة للولايات المتحدة و أوروبا
و تركيا و دول الخليج و التي ترمي إلى تعزيز سيادتهم السياسية و الاقتصادية و الطاقية في المنطقة.
و تجعل هذه الوضعية من جميع المساعي الرامية إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية عشوائية
و تعطي إسرائيل المجال لتضييق الخناق على الأراضي المحتلة و تعزيز هيمنتها على المنطقة.
و بعيدا عن القضية الفلسطينية، نجد أن تواجد الأمم المتحدة في حد ذاته يعد محل تساؤل. فإذا ما كان
الأمر متعلقا بسوريا أو بليبيا، فالخطورة تكمن في زعزعة التوازنات التاريخية التي تؤسس وجود الأمم
المتحدة في حد ذاته و في بروز أقاليم ذات حكم مستقل تأسس على خلفيات دينية أو عرقية و تكون
خاضعة لتلاعب القوى الكبرى و القوى الإقليمية.
فمصر، و التي تعد دولة كبرى ساهمت دوما في رسم ملامح المنطقة، و بالرغم من الانتخابات التي
شهدتها، دخلت على ما يبدو مرحلة غامضة من “الوضوح” السياسي تصنف فيها الديمقراطية على أنها
مسألة غير مؤكدة، و هي مهددة أيضا بالعنف و بمحاولات هيمنة خارجية.
و في تونس، مهد الانتفاضات الشعبية، و رغم أن الانتقال السياسي في البلد يبدو في طريقه للتحقق، فإن
الأزمة الاقتصادية و عنف المجموعات المتطرفة يشكلان تهديدات جدية لتأسيس نظام سياسي ديمقراطي
يتطلع له الشعب و لبناء مؤسسات تضمن الحقوق و الحريات الاقتصادية و الاجتماعية.
أما على مستوى القارة الأفريقية، فالرهانات التي تستوجب نقاشا تعد مهمة و مصيرية للشعوب الأفريقية
و العالم ككل. فقد أصبحت هذه القارة المصدر الأساسي للمواد الأولية و هي تعد “الحد الاقتصادي
الجديد”، نظرا لما تشهده من نمو اقتصادي منذ سنوات. و لكن هذه القارة قد تضررت أيضا بشدة من
جراء العنف المتطرف و النهب الذي يطال ثرواتها و التدمير الذي توقعه برامج الإصلاح و التسليح
المعمم الذي يطال أراضيها. وقد رافق هذا النمو الاقتصادي نمو هائل للفوارق الاجتماعية و الإفقار
و تراجع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في هذه القارة.
و في العالم، أفضى إنتهاء ثوابت الليبرالية الجديدة و عولمة الرأسمالية إلى أزمة اقتصادية دائمة و إلى
احتجاجات شعبية. فأوروبا التي تتجه نحو فرض سياسات تقشف و تخفيض ديون غير عادلة و مناهضة
للديمقراطية تساهم في زيادة شعبية اليمين المتطرف و في التشكيك في وجود المؤسسات الأوروبية في حد
ذاتها.
أما في أمريكا اللاتينية، و بعد أن كانت البرازيل مثالا يحتذى به في الديمقراطية الليبرالية الاجتماعية و
احدى القوى المحركة للبلدان الصاعدة، أضحى نموذجها الاجتماعي محل نقد لاذع من الحركات
الاجتماعية التي تطالب بتوزيع أعدل للثروات و مؤسسات دولة أكثر ديمقراطية.
و في آسيا، نرى أن النموذجين الصيني و الهندي، و الذين تميزا بنسق نمو اقتصادي متسارع و نمو في
حجم الصادرات، يشهدان تعثرا مطردا و أصبح الفلاحون الفقراء و الذين سلبت ثرواتهم و العملة
المهاجرون المحرومون من حقوقهم يطالبون يوما بعد يوم بعدالة أشمل و حقوق اجتماعية و سياسية أكثر.
و تمثل التوترات الجديدة التي تشهدها هذه المنطقة من العالم، و التي تغذيها صراعات فرض السيطرة
الإقليمية و العالمية إلى جانب التنافس من أجل الحصول على الثروات الطبيعية و السيطرة على الأسواق
العالمية، تهديدات شاملة للعالم بأسره و لحقوق الشعوب و الحركات الاجتماعية.
و قد تعمقت الأزمة الاقتصادية و المالية و الإيكولوجية التي يشهدها العالم بسبب السياسات الموضوعة
لمجابهتها، و المصنفة على أنها جملة من السياسات المضادة للمجتمع و ذات المدى القصير، التي تتجاهل
الوعود القائلة بتجديد أسس الاقتصاد عبر دعم السياسات البيئية الجديدة. و ساهمت هذه السياسات المضادة
للمجتمع و البيئة، على امتداد السنوات الأخيرة و في جميع أنحاء العالم، في إنشاء حركات اجتماعية
و بيئية قوية تطالب بسياسات بديلة تضمن العدالة الاجتماعية و البيئية و تعطي حقوقا جديدة للشعوب
و تحافظ على احترام الكرامة الإنسانية.
فالمطالبة بالعدالة المناخية بصفة خاصة، و العدالة البيئية بصفة عامة، ليست إلا تعبيرا عن تساؤل حول
جدوى نظام إنتاج و استهلاك عفا عليه الزمن و عن استغلال الإنسان المجحف للطبيعة. و تفسر الحركات
الاجتماعية و الفكرية في جميع أنحاء العالم هذه الأزمة على أنها ليست أزمة مالية أو خلل في النظام
الرأسمالي فقط ، بل على أنها في العمق أزمة حقيقية تعيشها الحضارة، إذ أن جزءا كبيرا من البشرية
يشككون في أسس النظام الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و الثقافي و السياسي القائم و يعتبرونه مصدر
الحيف الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و مصدر الأذى الذي لحق بالأرض. فهذا يكشف عن حاجة
البشرية الأكيدة إلى إعادة تحديد أسس العقد الذي يربط مكوناتها و نوعية الروابط التي يجب إنشاءها مع
الأرض و الكائنات الحية، و يبين أيضا الحدود الأساسية لقيم و مبادئ الهيمنة التي فرضها العنف
و العبودية و القمع السائد منذ قرون.
2015-03-23 00:00:00 - 2015-03-29 00:00:00
Tunis